كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن
الإنسان يُولد قهرًا ويموت قهرًا، وهو فيما بين ذلك -أيضًا- مقهور، فأولى
له فيما بين بدايته ونهايته أن يذل لله -عز وجل-؛ أن يذل للقهار الذي قصم
بسلطان قهره كل مخلوق.
فاسم
الله "القهار" يدل على معنى الغلبة، وأن أمر الله -عز وجل- نافذ في الخلق
جميعًا، وكل ما سواه -عز وجل- مقهور تحت أمره، فهو غالب على أمره -عز وجل-.
شهود آثار اسم الله القهار:
إن
قهر العباد وذلهم الاضطراري ظاهر لكل متأمل، وإن كان أكثر الخلق يغفلون
فيما بين ولادتهم وموتهم عن حقيقة قهرهم، وحقيقة انفراد الرب -عز وجل- بأنه
القهار، فليتأمل الإنسان أحواله كلها؛ ليعلم أنه مقهور.
الولادة والموت وما بين ذلك:
فكل
مَن تأمل يجزم بأن الإنسان يولد قهرًا ويموت قهرًا عنه، وهو فيما بين ذلك
مقهور أيضًا، فأولى به ألا يتكبر ولا يتجبر، وليعلم أنه مغلوب فلا يغلب
عباد الله ظلمًا وعدوانًا، فيقهره الله -عز وجل- بشديد عقابه وأليم عذابه.
ولادة الإنسان:
فلو
تأمل الإنسان أنه حين ولد لم يكن له اختيار في وجوده ولا في أبويه.. من
هما؟ ولا في الزمن الذي ولد فيه، ولا في الشكل الذي يشكل فيه، ولا في جسمه
أو رسمه، ولا في أعضائه أو جوارحه: كاملة أم ناقصة، تامة الوظائف أم
ناقصتها؛ لعلم أن الأمر كله لله الواحد القهار.
نمو الإنسان:
فهو
ينمو رغمًا عنه، ويتوقف نموه رغمًا عنه، فالواحد منا يظل يكبر وينمو بجسمه
وعقله وإمكانياته، وهو في ذلكم لا يملك لها دفعًا أو منعًا، فلا يملك أن
يزيد في هذه الأمور أو ينقص منها، ثم يتوقف نموه في سن معينة.
شهواته ورغباته:
ويجد
في نفسه من الشهوات: الجوع والحاجة إلى الطعام، والعطش والحاجة إلى الماء،
والرغبة في الجنس الآخر؛ مما يدل دلالة قاطعة على أنه مقهور؛ إذ يجد نفسه
-دائمًا- مدفوعًا إلى ما أراد الله -سبحانه وتعالى-.
نهايته..
وكذلك
يأتيه مِن أنواع البلايا والأمراض ما يضعف قوته، وعندما يقدر الله -عز
وجل- نهاية حياته فلا يملك أحد من الخلق المقهورين مثله أن يمنع عنه ذلك،
بل يرحل رغمًا عنه كذلك، ويوضع في التراب رغمًا عنه، وتحمله الأيدي وتقلبه
بلا قدرة منه.
سبحانه! قهر الإنسان والسماوات والأرض:
فإذا
استحضر العبد أن الله -عز وجل- هو القهار الذي قهر الإنسان الذي هو أعلى
المخلوقات شأنًا؛ فكيف بغيره؟! والسماوات والأرض مقهورة بأمره -سبحانه
وتعالى-: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ
وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى) (الزمر:5).
فما
حولنا مِن الكون كلها مظاهر وأدلة كونه القهار، فكلها تشهد بأن الله
-سبحانه وتعالى- قهر جميع المخلوقات، وجعلها تحت أمره وسلطانه -عز وجل-.
معاملة اسم "القهار" بمقتضاه من أفعال العباد:
على
العبد فيما بين بدايته ونهايته أن يذل لله -عز وجل- الذل الاختياري الذي
هو الدخول في طاعة الله، وأن لا يعارض أوامر الله برأيه أو بذوقه أو
بسياسته أو بعقله، أو بغير ذلك مما يُعارِض به الناس شرع الله -عز وجل-
فيظنون أن لهم الحق في الخروج عن ذلك الشرع.
ولا
يناسب العبد أن يتصف بهذه الصفة أو بشيء منها، أو يذل عباد الله أو يغلبهم
على إرادتهم إلا من أمر الله -سبحانه وتعالى- بإذلالهم، وليس في الحقيقة
إذلالاً لشخص، بل هو إذلال لله -سبحانه وتعالى-، كالكفرة الذين أمر الله
-عز وجل- أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وأن يغلبوا على دين الله
-سبحانه وتعالى- فيما أذن الله فيه.
وأما
أن يذل من لا يستحق ذلك فهو ظلم وعدوان وطغيان، بل إن حظ العبد من هذا
الاسم ينبغي أن يكون الخضوع والذل والانقياد، كما أن حظه من اسم الله
"الغفار" أن يتعلق قلبه به -سبحانه وتعالى- وحده في ستر الذنوب ومحو
آثارها، ومغفرتها في الدنيا والآخرة فلا يعاقبه عليها.